الدرس رقم 5

التحديات المستمرة والسياق الأشمل

يحلل هذا القسم التأثيرات الشاملة للائحة MiCA على سوق العملات المستقرة. ويركز على دور وضوح الأطر التنظيمية في تعزيز استقرار السوق وثقة المستثمرين وتطوير المنافسة. كما يبحث في المخاطر المحتملة والجدل المستمر والتطورات المستقبلية مع نضوج الأطر التنظيمية وتكاملها مع المعايير الدولية.

مقدمة

يُعد تنظيم الأصول المشفرة (MiCA) خطوة تاريخية نحو تأسيس إطار موحد للعملات المستقرة وسائر الأصول الرقمية على مستوى الاتحاد الأوروبي، إلا أن دخوله حيز التنفيذ لا يعني انتهاء مسيرة التطوير التنظيمي والسوقي. إذ وضعت التشريعات بهدف إرساء الوضوح وحماية النظام المالي الأوروبي، لكنها أفرزت كذلك تحديات تشغيلية جديدة ومخاطر كامنة لم تعالج بعد.

تتناول هذه الوحدة أبرز القضايا المستمرة، مركزاً على الثغرات التنظيمية، والهشاشة النظامية، والتقلبات السوقية غير المحسومة. كما تستعرض موضع MiCA في السياق العالمي، عبر تقييم مقارنتها بالنماذج التنظيمية الأخرى واستشراف حدود تأثيرها خارج الاتحاد الأوروبي.

الثغرات التنظيمية ومخاطر قابلية الاستبدال

أبرز التحديات التي أثيرت في المراحل الأولى من تطبيق MiCA تكمن في إمكانيات التحكيم التنظيمي، إذ يعيد بعض المصدرين هيكلة أعمالهم لاستغلال نقاط ضعف أو تناقضات في اللوائح.

وأحد النماذج الشائعة هو طرح عملة مستقرة متوافقة مع MiCA للمستخدمين الأوروبيين، مقابل إصدار نسخة غير منظمة للأسواق الأخرى، مع إبقاء إمكانية الاستبدال الكاملة بين النسختين. نظرياً، تسمح قابلية الاستبدال بتدفق الرموز بين البيئات المنظمة وغير المنظمة، ما يعيد ظهور المخاطر التي صُمم MiCA لمعالجتها. فعلى سبيل المثال، إذا ضعفت احتياطيات المصدر نتيجة عمليات بيع مكثفة للنسخة غير المنظمة، فقد يتضرر عملاء الاتحاد الأوروبي رغم امتلاكهم رموزاً منظمة.

وقد أكدت الهيئة المصرفية الأوروبية (EBA) والسلطات الوطنية المختصة إدراكهما لهذا الخطر، ولوّحتا بإمكانية استخدام الصلاحيات الرقابية للحد من تداول الرموز المتوافقة المترابطة بنظيراتها غير الخاضعة للتنظيم، لا سيما في حالات رموز EMT وART التي تحمل أهمية نظامية.

تركيز السوق والضغوط التنافسية

تستدعي متطلبات الامتثال في MiCA، من الترخيص، وفحص الاحتياطيات، وضمانات الاسترداد، ومعايير الحوكمة، موارد ضخمة. وعلى الرغم من مساهمتها في رفع جودة وشفافية المصدرين، فإنها تضع أيضاً حواجز عالية أمام الراغبين في دخول السوق. إذ قد تجد شركات التكنولوجيا المالية الصغيرة صعوبة بالغة في الحصول على الترخيص، وإنشاء ترتيبات الحفظ داخل الاتحاد الأوروبي، وضمان مستويات السيولة والتقارير اللازمة.

هذا المشهد يدفع باتجاه تركيز السوق بيد عدد محدود من المصدرين الكبار القادرين مالياً على الوفاء بالمتطلبات التنظيمية. من الناحية الإيجابية، قد يسهم التركيز في تعزيز الثقة والاستقرار عبر الجهات الموثوقة، لكنه في المقابل يحد من المنافسة والابتكار وتنوع المنتجات أمام المستهلكين والمؤسسات.

ومن منظور السياسات، يقتضي هذا التوازن مراقبة دائمة لضمان عدم تولد أوضاع احتكارية غير مقصودة في سوق العملات المستقرة الأوروبي بفعل MiCA.

العملات المستقرة والسيادة النقدية

أشار البنك المركزي الأوروبي (ECB) إلى أن العملات المستقرة المنظمة والمقومة باليورو قد تدعم مكانة اليورو عالمياً، لكنه حذر أيضاً من أن الانتشار الواسع للعملات المستقرة الأجنبية، وخاصة تلك المرتبطة بالدولار، قد يُضعف فعالية السياسة النقدية الداخلية.

ويكمن التخوف في أنه إذا انتقلت حصة كبيرة من المعاملات المحلية إلى عملات مستقرة بالدولار، فقد تتراجع قدرة ECB على ضبط الائتمان عبر التحكم بأسعار الفائدة على اليورو. ويزداد هذا الخطر في الدول الأوروبية الأصغر حجماً، حيث يمكن للدولرة الرقمية أن تضعف الاستقرار المالي عند حدوث تقلبات في سوق الصرف.

يتناول MiCA هذه المسألة من خلال تشديد الرقابة على العملات المستقرة ذات التأثير النظامي، بما يشمل تحديد سقوف للمعاملات بالرموز غير المقومة باليورو إذا وُجد أنها تهدد السياسة النقدية أو نظم المدفوعات. وسيتعين على ECB، وEBA، والمفوضية الأوروبية الموازنة بين الاعتبارات الاقتصادية الكلية وضرورة إبقاء السوق الأوروبي مفتوحاً ومتعدد الخيارات.

المخاطر النظامية الناتجة عن إدارة احتياطيات العملات المستقرة

تتطلب احتياطيات العملات المستقرة إدارة نشطة للحفاظ على السيولة وتحقيق العائد وتلبية حقوق الاسترداد. وفق MiCA، يُشترط الاحتفاظ بأصول عالية الجودة والسيولة لرموز EMT وART، لكن المصدرين يملكون حرية في تحديد مدة الأصول ونوعيتها والترتيبات الخاصة بالحفظ.

وقد أصبح كبار المصدرين بالفعل من الجهات الرئيسية التي تستثمر في سندات الدين السيادية قصيرة الأجل، خاصة سندات الخزانة الأميركية. وعند حدوث أزمة سوقية، قد يؤدي بيع الاحتياطيات لتلبية طلبات الاسترداد إلى انتقال الأزمة إلى الأسواق التقليدية، مؤثراً في معدلات العائد وظروف السيولة. وقد تجلت هذه الظاهرة مع انهيار صناديق أسواق المال أثناء أزمة 2008، وأيضاً لدى توترات سوق السندات البريطانية مؤخراً.

وتسعى قواعد الاحتياطيات في MiCA إلى الحد من هذه المخاطر عبر التنويع ومتطلبات السيولة، لكن فعاليتها تعتمد على صرامة آليات الرقابة وشفافية الإفصاح من قبل المصدرين.

التفاعل مع التمويل اللامركزي (DeFi)

تستهدف MiCA أساساً المصدرين المركزيين والوسطاء الماليين، في حين أن جزءاً هاماً من تداول العملات المستقرة يتم في بيئات التمويل اللامركزي، حيث تُستخدم هذه العملات في بروتوكولات بلا إذن ومنصات إقراض وبورصات مفتوحة ومجمعات عوائد.

يمكن إدماج العملات المستقرة المتوافقة مع MiCA في أنظمة DeFi، لكن آليات الامتثال مثل قيود التحويل ومتطلبات التحقق من الهوية KYC قد تتضارب مع الطابع المفتوح للمنصات اللامركزية، ما قد يؤدي إلى انقسام بيئة DeFi الأوروبية بحيث تعمل التجمعات المنظمة جنباً إلى جنب مع تجمعات غير منظمة تعتمد رموز خارجية أو غير متوافقة.

ويبرز التساؤل طويل الأمد حول قدرة بيئة DeFi المنظمة، والمبنية على أصول متوافقة مع MiCA، على توفير السيولة والكفاءة لمنافسة البدائل العالمية اللامركزية. وسيتحدد ذلك بمستوى مشاركة المؤسسات وتجربة المستخدم وتطور المعايير التقنية للامتثال على السلسلة.

انتقادات القطاع ومطالبات بالتوضيح

أبدى الفاعلون في القطاع تحفظات إزاء بعض بنود MiCA، خصوصاً ما يرتبط بالنطاق والتعاريف والمتطلبات التشغيلية. فهناك من يرى أن تعريفات ART وEMT قد تشمل رموزاً لم تُصمم أصلاً كأدوات دفع، مما يفرض أعباء تنظيمية غير مبررة. كما طالب البعض بتوضيح العلاقة بين MiCA والتراخيص المالية الحالية، مثل ما إذا كان على المصارف المصدّرة لرمز EMT الامتثال لمتطلبات MiCA منفصلة عن ترخيصها المصرفي.

وطرح القطاع تساؤلات بشأن فترات الانتقال، إذ يُسمح للمصدرين الحاليين بفترة تصل إلى 18 شهراً لاستيفاء المتطلبات، فيما خلقت المواعيد النهائية لبعض الإفصاحات والتقارير حالة من عدم اليقين، لا سيما أمام الشركات العابرة لحدود الاتحاد الأوروبي التي يتوجب عليها تنسيق استراتيجيات الامتثال مع اختلاف النظم الرقابية المحلية.

المقارنات العالمية

يُعد إطار MiCA الأكثر شمولاً لتنظيم العملات المستقرة حتى اللحظة، لكنه ليس المبادرة الوحيدة. ففي الولايات المتحدة، تسعى مشاريع مثل "Genius Act" إلى تنظيم العملات المستقرة عبر ترخيص اتحادي ومعايير احتياطي، غير أن التشريع الفيدرالي لم يُقر حتى مطلع 2025، ما أبقى الامر في يد الولايات والتوجيهات التنظيمية غير الرسمية من جهات مثل OCC وNYDFS.

وفي آسيا، أطلقت سلطة النقد في هونغ كونغ (HKMA) نظام تراخيص لمصدري العملات المستقرة، يركز على الحوكمة وجودة الاحتياطي ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما يخضع إصدار العملات المستقرة في سنغافورة لإشراف تنظيمي بموجب قانون خدمات الدفع، مع متطلبات خاصة للرموز المرتبطة بعملة واحدة.

وبالمقارنة، يُغطي إطار MiCA نطاقاً أوسع، إذ يشمل العملات المستقرة وفئات الأصول الرقمية الأخرى، ويؤسس قاعدة جواز سفر تنظيمي موحد عبر الاتحاد الأوروبي. ويبرز تأثيره بالفعل في نقاشات السياسات بدول مثل المملكة المتحدة وكندا وأستراليا، حيث تدرس السلطات تبني نماذج شاملة مماثلة.

المسار المستقبلي: التكيف والتطور

يمثل MiCA بداية لجيل جديد من الأطر التنظيمية. وكأي منظومة حديثة، سيخضع على الأرجح لمزيد من التطوير استجابة لتطور الأسواق والابتكار التقني والخبرة الرقابية. وتشمل أبرز المجالات المرشحة للتحديث معالجة العملات المستقرة الخوارزمية، ودمج نماذج الحوكمة اللامركزية، وتكييف معايير الاحتياطيات حسب التغيرات الاقتصادية الكلية.

وقد أدرجت المفوضية الأوروبية بنوداً للمراجعة الدورية ضمن MiCA، تلزم بإجراء تقييمات منتظمة لفعالية النظام. وستبحث تلك المراجعات الحاجة لتوسيع نطاق التنظيم، وتعديل معايير الرموز "ذات الأهمية"، وكيفية استلهام السياسات الأوروبية من التطورات العالمية.

إخلاء المسؤولية
* ينطوي الاستثمار في العملات الرقمية على مخاطر كبيرة. فيرجى المتابعة بحذر. ولا تهدف الدورة التدريبية إلى تقديم المشورة الاستثمارية.
* تم إنشاء الدورة التدريبية من قبل المؤلف الذي انضم إلى مركز التعلّم في Gate. ويُرجى العلم أنّ أي رأي يشاركه المؤلف لا يمثّل مركز التعلّم في Gate.